معاَ ضد التحرش ..ماذا لو كانوا سلفيين ...؟؟

 


 










معاَ ضد التحرش ..ماذا لو كانوا سلفيين ...؟؟

انطلقت وسائل الإعلام بشتى أنواعها تتناقل ـ وسط حفاوة وإشادة بالغة ـ مقاطع فيديو وتصريحات صحفية ولقاءات تمت مع شباب من شتى المحافظات كونوا ـ من تلقاء أنفسهم ـ مجموعات بأسماء وشعارات مختلفة " ضد التحرش، كما تدين تدان، التحرش بالمتحرشين" وذلك للعمل على مناهضة التحرش بالنساء في التجمعات والحدائق والمتنزهات وعلى أبواب السينمات المختلفة..في الوقت الذي صرحت بعض هذه الحركات والمجموعات معلنة ومؤكدة على أنهم لا ينتمون إلى أية تيارات دينية أو أحزاب سياسية بل هي مجرد حركات فردية ..

بل لقد زاد الأمر إلى حد أنهم قرروا هكذا لحالهم أن يمنحوا أنفسهم صفة الضبطية القضائية فيلقوا القبض على من يجدونه متلبساً بالتحرش بالنساء ويقتادونه إلى أقرب دورية شرطة أو نحوها بعد أن يجردوه من ثيابه"البنطلون" ويطبعوا على الملابس كلمة " أنا متحرش" ويتم تصويره ويرسل المقطع إلى شتى وسائل الإعلام ...

بصفة شخصية ومن وجهة نظر فردية فهذه الحركات أن أقر المبدأ الذي انطلقت من خلاله وأشد على أيديهم وأوافقهم على سمو هدفهم من جهة الحد من التحرش والوقوف يداً واحدة ضد العنف والتجاوز الذي ينتهجه بعض الشباب والرجال تجاه المرأة مما قد يؤدي إلى وقوع حالات اغتصاب وليس مجرد تحرشات لفظية أو بدنية عارضة، وربما وقعت مشاجرات جراء التحرشات والمعاكسات بين أهل الفتاة أو المرأة وبين المتحرش بها مما يزيد من احتمالات تطور الأمر إلى وقوع إصابات أو قتلى بين الطرفين .

ولكنني أيضاً وفي الوقت ذاته أجدني أتساءل تلقائياً:
ماذا لو كانت هذا المجموعات من المناهضين للتحرش قد أطلقتها تيارات دينية كالسلفيين أو الإخوان أو كان أعضاؤها ملتحين أو يلبسون القميص القصير" جلباب قصير" ؟

هل كان الإعلام المستنير الداعم للحرية والباحث عن حقوق المرأة والمناهض لجميع أشكال العنف والتمييز ضد المرأة سيكون منصفاً ومشيداً ومشجعاً لتلك المجموعات المناهضة للتحرش ضد المرأة أم كانوا سيقيمون المآتم وينصبون سرادقات العزاء منتحبين مولولين على الحريات المغتصبة والخصوصيات المنتهكة ويحذرون من أسلمة الدولة ويرفضون الأخونة والأسلفة ...؟

لماذا إذا أتى الشباب المتدين " ظاهرياً والله أعلم بالبواطن والجواهر" بالعمل الطيب وأراد أن ينهض بواجبه تجاه دينه ومجتمعه تقوم الدنيا ولا تقعد بينما لو قام بنفس الفعل أو أشد " كالقبض على المتحرشين وتصويرهم عنوة وتجريدهم من بعض ثيابهم وطباعة كلمة " أنا متحرش" على ملابسهم شباب لا ينتمون إلى أية تيارات دينية ولا حتى سياسية بل ويعلنون أنهم لا يقبلون بالعمل تحت أية قيادة دينية أو سياسية بل هو عمل تطوعي بحت وإذا ما نظرت إلى مظاهرهم وملابسهم تعرف بيقين أنهم لا ينتمون إلى تيار بعينه ولا جماعة ولا حزب وساعتها يقال: شباب متحضر ومتفاعل مع المحمتع ويشيدون به ويصفقون له ويقول ذلكم المصدر الأمني المسؤل الذي يرفض دائماً ذكر اسمه نظراً لحساسية موقعه..لا بأس من تفاعل الشباب ولكن عليهم أن يفعلوا ذلك بالتنسيق مع الشرطة ؟

لا أنكر على المصدر الأمني المجهول هذا ما قاله من ضرورة التنسيق مع الشرطة وحتى لا تكون تلك الأعمال التطوعية أوسع نطاقاً وانفلاتاً من أهدافها النبيلة التي أعلنوا عنها، ولكني أتساءل عن ردة فعلهم لو كانوا سلفيين أو إخواناً أو من أي تيار ديني كان ...؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

وفي إطار الشجب والاستنكار الإعلامي والحقوقي والمجتمعي للتحرش والمتحرشين تقرأ تصريحات من أناس يفترض أنهم من رموز المجتمع أو هكذا يصدرون لنا فترى هذا التصريحات تتجه عمداً لتعبر عن منطلقات فكرية ومرجعيات ثقافية ـ ولا أراني مبالغاً لو قلت: ومرجعيات عقدية أيضاً ـ فتسمع أحدهم يطالب بتطبيق قوانين حمورابي ذلك الذي كان في عصور ما قبل الميلاد بقرون متطاولة..!!

وهذا مثار عجب في الحقيقة؛ فهؤلاء الذين يتنادون بالتقدم ويدعون إلى نبذ الرجعية والتخلف وينسبون الإسلاميين المطالبين بتطبيق شريعة رب العالمين التي أرسل بها نبيه ورسوله محمداً ـ صلى الله عليه وىله وصحبه وسلم ـ خاتم النبيين والمرسلين ليكون رحمة وهداية للعالمين، تراهم ينسبونهم إلى الرجعية والتخلف وأنهم ـ الإسلاميين ـ يريدون أن يردونا إلى عصور البداوة والصحراء والظلام والتخلف ودولة الكهنوت وأنها ـ الشريعة الإسلامية ـ ـشريعة لا تتناسب إلا مع أبناء زمانها ـ إن تناسبت أصلاً في زعمهم ـ

تراهم الآن يقترحون العودة إلى قوانين وتشريعات ما قبل الميلاد أي ما يسبق بعثة النبي بأكثر من ألفي عام كاملة..!

فأي الفريقين أحق بوصف الرجعية والتخلف إذاً؟

وهل من تشريعات وقوانين البشر ما يقارن أو يضاهي أو يداني منزلة وتقدماً وصلاحاً وإصلاحاً شريعة رب العالمين؟؟

مبدأ التعامل مع الواقع بإيجابية لا يختلف عليها اثنان
والإسلام أمرنا بالتعامل الإيجابي مع الظواهر الطيبة بالتأييد والمشاركة والمباركة والإشادة والدعوة إلى تفعيلها ونشرها

ومع الظواهر الخبيثة والأخلاق السيئة أمرنا بالبعد عنها والنهي عنها ومقاومتها بكل وسيلة ممكنة ـ كل حسب موقعه وقدرته وطاقته وصلاحياته ـ فسلطة الجهات التنفيذية كالشرطة أوسع نطاقاً وأكثر تأييداً من المجتمع والإعلام لأنها السلطة المنوط بها العمل على التخلص من كل ظاهرة سلبية وخلق ذميم

وسلطة رجل الشارع تتقلص إلى حد التوقف عند الأمر والنهي اللفظي المجرد من استخدام القوة إلا في حدود ما تدعو إليه الضرورة ويتطلبه الموقف ..

وهذا هو ما يسمى في الإسلام بواجب" الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"
وهو المبدأ الذي يشكل أهمية عظيمة جداً في الإسلام بل هو من أهم مكوناتها وأساسيات عقيدتها وهو عامل رئيس من عوامل خيرية الأمة وتفضيلها على سائر الأمم.
وهو أيضاً سبيل نجاة الأمة من الهلاك والانهيار

وقضية التحرش لا شك محل امتعاض واستهجان ورفض واستنكار ...
بل هي من حيث المنظور الديني والحكم الشرعي محرمة وآثم من يتلبس بها مستحق للعقوبة الدنيوية ـ التعزير ـ والأخروية ما لم يتب.

غير أنه ليس من الإنصاف أن نتناول القضية ـ أية قضية ـ لاسيما التحرش بالمرأة من جانب دون بقية الجوانب ولا من طرف ونترك أو نغض الطرف عن بقية الأطراف ..

التحرش والتعرض للمرأة أياً كانت أسبابه ومبرراته ـ إن اعتبر تسمحاً أن له ما يبرره ـ لا يمكننا تصنيفه في جميع الأوقات على أنه ابتداء اعتداء بل قد يكون التحرش رداً بغيضاً وتفاعلاً رخيصاً مع فعل لا يقل عنه بغضاً ولا رخصاً ألا وهو التحرش الشكلي والاعتداء المظهري في الملابس والحركات والمشية والتصرفات التي لا يليق بفتاة محترمة فضلاً عن مسلمة أن تتلبس بها.
فهنا يكون التحرش بالفعل واقعاً من المرأة نفسها على الرجل باستفزازات وحركات وإيماءات وملابس لا يجوز أن تلبسها المرأة خارج نطاق غرفة نومها ولزوجها فقط

كما أن التوجيه الإعلامي الذي هو نتاج التوجه السياسي الذي يدعم وينتهج العزف على أوتار الغرائز الجنسية والعبث بالطبائع البشرية ويستثيرها بشتى الوسائل بحيث لا تكاد تخلوا أفلامه ولا مسلسلاته فضلاً عن أغنياته ومسرحياته بل وإعلاناته من استعمال واستغلال جسد المرأة ـ ذات الحقوق والحريات والكرامات ـ حتى غدت أشبه بسلعة بل إنها أصبحت أرخص من السلعة نفسها فهي مجرد موديل لترويج السلع وتسويقها.

كل هذا مع الأخذ في الاعتبار بضيق الحياة وصعوبة أو تعقيد أمر الزواج مع رفع سن الزواج بقوة القانون الجائر والضخ والضغط الإعلامي على ضرورة عمل المرأة وتقلدها أعلى المناصب لتحقيق الشخصية وإثبات الكفاءة وقمع الذكورية كلها عوامل تدعم وتدفع وتهيج الشباب ليقدموا على التحرش وإن كنت لا ألتمس عذراً لهم ولكنها حقائق لابد من الوقوف عليها والنظر إليها والبحث عن حل أمثل وعلاج أفضل ومخرج أنفع وأجدى وأسهل
ولن يكون ذلك ولن يحصل إلا ابلدين والتربية السليمة

لكن هيهات أن يتم ذلك ونحن نرى الدين محل سخرية ومحل رفض واستنكار بمجرد الإشارة إليه أو المطالبة بالمحافظة عليه تنبح الكلاب وتعوي الذئاب وتشرئب اعماق اللئام من كل صوب وحدب لتتباكى على حريات الأقلية وأسلمة الدولة والرجوع بها إلى العصور السحيقة البعد

إن الحقيقة التي لا يريد المتشدقون بالحقوق والحريات أن يعلنوا تصديقهم بها بل يعلنون مجاهرين برفضهم وتكذيبهم لها ألا وهي أن الغريزة طبيعة جبلية وخلقة أصلية مركوزة في الإنسان ذكراً وأنثى وأن الشخصية السوية الطبيعية هي التي تميل إلى الجنس الآخر وإنما يهذبها الدين ويمنعها الخلق القويم أن تتهاوى في مزالق الهلكة أو تجاري دواعي الفتنة.

وليس من الطبيعي أن تستثار النفس إلى ما له خلقت وعليه فطرت وبه طبعت فلا تكون منها إجابة ولا حركة بل من وجد في نفسه من الرجال رغبة عن الرغبة فهو مريض غير سوي وكذلك المرأة غير أنه وكما قلنا آنفاً يقف الشرع على بوابة النفس فيمنعها من الانهيار أو الانحدار أو الاستمرار.

ولقد كفل الشرع الوسائل المانعة من كل ذلك الخراب والدمار فحرم النظرة وأمر بغض البصر
وحرم الخلوة والاختلاط المنفلت وحذر منه أيما تحذير حتى وصل تحذيره إلى منع الخلوة بالمرأة ولو كان الرجل من أقارب الزوج فقال " الحمو الموت".

مما رأيته من تلك المقاطع المنتشرة على النت مقطعاً لفتاة ترقص في مركب أو مكان ما على أنغام الموسيقى وهي ترتدي ملابس ضيقة " بنطلون جينز وعلى رأسها طرحة" يسمونها حجاباً!!!

ولا يخفى على لبيب أن الرقص على أنغام الموسيقى لاسيما المثيرة منها تثير الشهوات الكامنة وتبعث الرغبات النائمة
فكيف إذا كانت تلك الرقصات من الفتيات المراهقات على مرأى ومسمع من الشباب المهتاج المحروم حيث لا شرع يحكمه ولا دين يعصمه ولا أخلاق يمنعه ؟؟

لا أبحث عن مبرر للشاب إذ تحرش بالفتاة المتراقصة ولا أقبل منه ما فعل ولا أقبل منها ما أدى إلى تحرشه بها أيضاً.
إنما أردت أن أقول إنه مما يجب الالتفات إليه والتنبيه عليه والتحذير منه هذا الانفلات الأخلاقي الذي يتمثل في سلوك منحرف لدى الطرفين الرجل والمرأة على حد سواء.

فكما أن الإسلام يرفض التعرض للمرأة بأية إشارة أو إساءة فكذلك هو هو الإسلام ذاته الذي يلزم المرأة بلباسها الشرعي الذي له مواصفات لا يجوز التهاون في اعتبارها ولا التفريط في الالتزام بها.

أيها الإخوة الكرام
الموضوع كبير وجد خطير ولا يحتمل استرخاءً ولا هزلاً وإلا فإن عاقبته تحيق بالأمة كلها محسنها ومسيئها.

فاللهم اعصم أبناءنا وبناتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن وسائر المسلمين والمسلمات.

الآن 6.34 صباح الأحد ثالث أيام عيد الأضحى المبارك 1433هـ،

ابن الأزهر ومحبه
الشيخ أبو أسماء الأزهري
كارم السيد حامد السروي
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية
: 29-10-2012
طباعة