الحمد لله الذي جعلنا من أهل الإسلام ..قل آمين ..



الحمد لله الذي جعلنا من أهل الإسلام ..قل آمين ..

توجهت عصر اليوم إلى المسجد الجديد الذي نقلت إليه يوم الأربعاء الماضي وهو مسجد " هبة الرحمن " حيث منزل فضيلة الشيخ عادل عزازي ــ حفظه الله ــ وركبت التوك توك لبعد المسافة ولما وصلت إلى المسجد نقدت الرجل أجرته ودعوته لصلاة العصر ففاجأني بكلمة لم أسمعها من قبل قط ...قال : " هو مسيحي والحمد لله !!!!

قلت له متعجباً : نعم ؟؟!!!
فكررها فوجدتني أدعوه إلى الإسلام مبتسماً مشفقاً قائلاً : ربنا يجعلك من أهل الإسلام إن شاء الله ..
فرد منفعلاً قائلاً : بل ربنا يجعله من أهل المسيحية إن شاء الله ..!!

فدخلت المسجد وظللت أفكر في الأمر وأتأمل الموقف والكلمة التي لم أتعودها قط بل هي على خلاف ما نقول دائماً : الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة ..

وجاء قول الله عز وجل : "أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {122 ) الأنعام .

وتذكرت قوله عز وجل : " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا {103} الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا {104} أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا {105} ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ
جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا {106} الكهف ..

أين هؤلاء القوم من قوله تعالى : 
" لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ {72} لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {73} أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ {74}
مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى
يُؤْفَكُونَ {75} قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {76} " المائدة ..


ما ظن هؤلاء الناس حين يلقون عيسى بن مريم يوم القيامة فيتبرأ منهم وينكر صنيعهم على رؤوس الأشهاد ومن قبل في قبورهم عند سؤال الملكين ؟؟


تأملت في هذا الموقف الذي لم يتجاوز عشر ثواني ولكن مدلوله أعمق بكثير من مدته وأدق من بساطته الظاهرية

كيف لو مات هذا الرجل على هذا المعتقد الباطل المزور ؟؟

هل أعذر أنا وأمثالي من الدعاة والشيوخ والعلماء أمام الله عز وجل ؟؟

هل يقتصر دور الداعية على مجرد التواجد في المسجد في وقت العمل الرسمي المخصص له " الدوام " والقيام بواجب إمامة الناس في الصلاة وإلقاء كلمات عابرة ومواعظ فاترة وعاها من وعاها ممن تكلف الصبر على سماعها ..؟؟

هل بعث الله عز وجل الأنبياء والمرسلين في أقوام موحدين وأناس على المنهاج سائرين أم في أقوام كافرين وأناس عن الحق غافلين وفي الغيِّ سائرين ؟؟

هل القرآن الكريم نزل على قلب النبي الشريف  ليقرأه على الموحدين أم لِيُسْمِعَهُ المشركين والملحدين والكافرين ليدعوهم به إلى الطريق المستقيم ؟؟

مفاهيم كثيرة تتطلب من العلماء والوعاظ والدعاة أنفسهم أن يقفوا معها ويتأملوا فيها ويتدبروا معانيها حتى تستقيم طريقتهم وتثمر دعوتهم .

استشعرت مدى فضل الله عز وجل عليَّ وأنه قد أكرمني بالإسلام وشرفني بالقرآن بل وجعلني داعياً إليه دليلاً عليه ..

وفي الوقت ذاته استشعرت ثقل الأمانة ومقدار المسؤلية التي أحملها ويحملها كل من وقف موقفي من الدعاة والشيوخ والعلماء 
حينما يسألنا الله رب العالمين يوم القيامة عن دعوتنا وهل بلغناها للناس جميعاً وبكل الوسائل المتاحة واجتهدنا في سبيل تعريف الناس بالحق الذي نحمله حتى يذوقوا حلاوة الإيمان كما ذقناها ...؟

ازددت فهماً لقول الله عز وجل للنبي  : " } إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا {5} " المزمل .

تذكرت قول النبي  لعلي رضي الله عنه : " ثم ادعهم إلى الإسلام ، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحد ، خير لك من أن يكون لك حمر النعم ) .
رواه البخاري ومسلم من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله تعالى عن الصحابة أجمعين ورحم البخاري ومسلماً والأئمة ,,آمين .

استشعرت مدى الهم الذي حمله النبي  منذ أن نزل عليه الوحي ولم يزل به ومعه ولم يفارقه حتى أتاه اليقين أتاه الموت كما في صحيح ابن ماجه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال :
"لما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كرب الموت ما وجد قالت فاطمة وا كرب أبتاه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا كرب على أبيك بعد اليوم إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتارك منه أحدا الموافاة يوم القيامة 

يالها من كلمات على وجازتها لكنها ترسخ لمفهوم قلما استحضره أحد إلا العقلاء 

لا كرب لأنه قد أتاه الموت وقد أدى ووفى وبلغ وأنذر 
لا كرب على أبيك بعد اليوم ..فلقد مضى وانقضى عهد الكرب والإيذاء والشدة والبلاء وحانت لحظة الحصاد 

لقد أتى الموت رسول الله  لينتقل من حياة العنت والشدة والشقاء وقد بلغ وأدى ما حمل من عبء الدعوة وثقل الأمانة ولاقى ما لاقى في سبيل تبليغها ونصح للأمة ليهلك من هلك هن بينة ويحيى من حيَّ عن بينة .

فهمت أنه لا يزال الكرب حليف وقرين ورفيق الداعية حتى يأتيه الموت لأنه مطارد بعجزه محاصر بضعفه مهدد بتقصيره وركونه إلى الراحة فيموت رجل أو تضل امرأة لم يصلها الحق الذي عرفه الداعية فيكون مقصراً في أداء المهمة وتبليغ الرسالة حتى إذا استشعر ذلك فنفض عنه النوم وقاوم العجز وهجر الراحة ليقوم بالمهمة ويبلغ الرسالة لاقى السخرية والإهانة والتكذيب والإقصاء وواجهته جحافل الإعلام المغرض من كل اتجاه لتشوه صورته وتعطل مسيرته وتحول دون إيصال ما معه من خير ونور وهدى وصلاح ؛ فلا يزال على هذا حتى يأتيه الموت فيزول الكرب وينتهي العمل ويبدأ الحساب ..

ها نحن الآن قد فتحت لنا الأبواب المغلقة ورفعت الحواجز وانتفت الموانع وتحطمت السدود المانعة دون الدعوة وتبليغها فلنعمل على تعليم الناس العلم وتبيين الحق وتصحيح المفاهيم وإلا فإن القعود عن العمل في سبيل الله والركون إلى الراحة المؤقتة لهو الكفر بنعمة الله وذلك موذن بزوال النعمة .

قال تعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ( 7 ) ) إبراهيم

وقال تعالى " ((وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)) 113 النحل .

وهذا رمضان قد أوشك على القدوم وفيه من الخيرات ما فيه ولعلنا نفرد مقالاً خاصاً به وفضائله إن شاء الله وقدر 
فليكن شهر رمضان مُناخاً خصباً للدعوة إلى الله وإلى الإسلام برفق ولين بالحسنى والخلق القويم 

ولنستحضر معاً وعلى الدوام قوله تعالى : " ...الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا .." 3 المائدة

فاللهم لك الحمد على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة ..

الحادي عشر من شهر شعبان 1433هـ ، 

ابن الأزهر ومحبه
أبو أسماء الأزهري
إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية 



: 21-07-2012
طباعة