أيها الداعية, هل أنت ساحر ؟

أيها الداعية, هل أنت ساحر ؟

بقلم/ أ. يوسف حمدان.

في أحدث الإحصائيات التي تتعلق بقياس مدى تأثر الناس بما يُعرض عليهم ، سواءً في الخطبة أو الموعظة أو البرنامج التلفزيوني أو غيره ، ظهرت نتائج مذهلة تُقسِّم المؤثرات إلى ثلاثة أقسام رئيسية: هي ( المحتوى, والأسلوب, والحركة ) والمفاجأة أن المحتوى لم يتجاوز نسبة تأثيره الـ5% فقط ، فيما حصد الأسلوب نسبة تجاوزت الـ35% ،  لتبقى الحركة تؤثر في الناس بنسبة فاقت الـ55% .

 إن هذه الإحصائية تبدو للوهلة الأولى صادمة، خصوصاً للدعاة الذين يهتمون كثيراً بالمحتوى الذي سيلقونه على الناس في دعوتهم، على حساب "الأسلوب, والحركة" الذي سيقدم من خلاله هذا المحتوى, ولكن حين نعلم أن هذه الدراسة قد أُعيد تنفيذها على أكثر من فئة وفي أكثر من منطقة ولأكثر من مستوى وأعطت نفس النتائج تقريباً ، حينها ينبغي أن نقف قليلاً لنفكر في هذه الحقيقة التي قد تبدو مُرة ، (فالحقيقة المُرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح)؛ الحقيقة التي تقول أن مشكلتنا اليوم أن لدينا علماء ممتلئين علماً، ولكن ليس لديهم ذلك الأسلوب ولا يمتلكون مهارة وسحر الإلقاء وفنون توصيل هذا العلم الذي لديهم .

 هؤلاء العلماء يحصرون جمهورهم في طلاب العلم فقط ، أما الوهم المريح الذي نسلي به أنفسنا أن نقول أن العلماء كثيرون، والدعوة ماضية، والمهم أن نعمل وليس علينا أن نشغل أنفسنا بالنتائج ، فالناس ما عادت تقبل على الدعاة لمشكلة في الناس وليس في الدعاة، هذا وهم مريح لا يصمد أمام الحقيقة المرة التي تقول: ( أن من يهتم في الأسلوب والوسيلة تماماً كما يهتم بالمحتوى العميق هم فقط الذين يلتف حولهم الناس من طلاب العلم ومن العوام ) .

والله عزّ وجل لا يقبل العمل المخلص فقط، بل يجب أن يتوفر فيه شرط آخر وهو ( العمل الصواب ), الموافق لشرعه المجّود والمتقن كمال قال سبحانه وتعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ[فاطر10] ، العمل الصالح المتقن هو فقط الذي يصعد إلى السماء فينزل إلى قلوب الناس ومعه الإضافة والفتوح والتوفيق والقبول .

فتجد داعيةً أغر في حقل الدعوة ولكن دروسه مسموعة وكلماته محبوبة وعباراته مرغوبة وطلته يُشتاق لها ، وتجده يزاحم كثير من العلماء في حصد المتابعين والمهتمين ، فكيف لو توج علماؤنا ما لديهم من علم عميق بأسلوبٍ مشوق وبمهارة في العرض والإلقاء مؤثرة ، فكيف سيكون أثرهم في الأمة حينها  ؟

لم يعد ذلك الخطاب الديني البسيط الوعظي يقنع عقول الناس، ولم تعد الناس تصبر على الداعية ليقدم ما لديه بأسلوبه التقليدي الممجوج، يحدثنا وهو جالس، لا يحرك رأسه ولا يغير من نبرته، ولا يعرف للأسلوب أنواعاً ولم يسمع بلغة الجسد ، ولم يتعلم سحر الإلقاء وفنون التأثير على الناس، ثم يسأل لماذا ينفض الناس عنه؟ ويشكو زهد الناس في مجالس العلم واستماع الموعظة كمال قال عز شأنه: {إ ِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ } [ص5] .

مقدمةٌ مملة ، ومحتوى لا جديد فيه, ولا يحترم عقول الناس ومداركهم ، وأسلوبٌ يشبه فنون التنويم المغناطيسي ، وحركة معدومة لا علاقة لها بالمحتوى، وخاتمةٌ بائسة ، تلك هي خماسية الصعود نحو الهاوية في خطبة مملة تسقط الفرض عن الناس ثم تفتح عليهم باباً واسعا للنقد وتضييع الأجور .

إن التأثير في الناس فن، ودعوتهم إلى ما لدينا من حق سحرٌ حلال ، نحتاج أن تعلم وسائله وأدواته ، فقد يكون الحق معنا ولكننا لا نحسن إيصاله للناس ، وقد يكون الباطل مع غيرنا ولكنهم يحسنون الدخول به لقلوب البشر؛ من أجل ذلك ، أصبح من الضروري أن تتوافق برامج إعداد الدعاة وتأهيل طلبة العلوم الشرعية مع هذه الحاجة الملحة، حتى يكون هؤلاء الدعاة وطلاب العلم قادرين على إيصال الرسالة والعلم بأساليب العصر المقنعة وطرق العرض الجذابة وأساليب الإلقاء المبهرة .

ومن أجل ذلك ، ما عاد يُقبل من الداعية اليوم ، يندب حظه ، ويشكو هجر الناس ، بل نقول له: ( اتعب على نفسك واحترم عقول الناس ، قدم جديداً وإلا فاجلس ، فكر في أسلوبك المثير الذي ستقدم به ما لديك قبل أن تقف ، خطط لدعوتك ولدينك واتعب على نفسك كثيراً تحصد كثيراً ) ، والله الموفق .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ


: 26-04-2012
طباعة