بقلم / أ.مهنا نعيم نجم .
إلى/ كل زوج، وزوجة، سلمهما الله تعالى، وأدام بينهما المحبة والتوفيق، ورزقهما الذرية الصالحة، آمين , سلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
خير ما أبدأ به قوله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. [ الروم 21 ]
أما بعد: فالموجب لهذا هو الوصية بتقوى الله تعالى، وإتباع أمره، والتزام سننه وسنن نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أخي الزوج، أختي الزوجة :
اعلم أن السعادة هدف يسعى له الإنسان في الدنيا والآخرة، وليس بعاقل من غفل عن آخرته ونسي دنياه، لقوله سبحانه وتعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }. [القصص 77]
وما أجمل النصيحة حين تُقدم على طباق المحبة، وتَنْثُر عبيرها مع عبق الإخلاص، وتلفها بابتسامة مشرقة، وتتبعها لمسة حانية، وتحيط بها مشاعر دفاقة، وأحاسيس مرهفة، فتأنس بعباراتها، وتشتاق لكلماتها، وتطمئن النفس لها، فتقع في القلب، وتتمنى حينها أنك لا تفارق صاحبها، فإن هو غاب سألت عنه، وإن حضر لم تمل منه.
أخي الزوج :
خير ما رزق الرجل في هذه الدنيا المرأة الصالحة، فهي تذكره بالله كقول إحدى الصالحات لزوجها: (لا تطعمنا حراماً) ، وتعينه على الخير، وتطيب فراشه، وتحفظ سره، ولا تهدر ماله، وتربي ولده, فهي كما قال صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء ؟ المرأة الصالحة؛ إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته ) سنن أبي داوود , وإياك أن تضيع من تعول، فتُسأل عنه يوم لا ينفع الندم، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيما راع غش رعيته فهو في النار ) . حديث حسن
واعلم أخي الزوج، أختي الزوجة :
بلين الكلام تصطاد القلوب، وبعبير الحب تُؤسر النفس، ولا يضر النخل انحناؤه للرياح، سأل أحد الناس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال: ( أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت , ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت ) سنن أبي داوود , فلا يفرط بالثمين من أجل الرديء، ولا يقابل الود بالخبث, ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.
فبادر بالخير تُشكر، وانشر المعروف تسعد، وابتعدت عن الرذيلة تَنعم، وإياك ودعوة المظلوم، فإنها مستجابة، ولا تستهن بالضعيف فإن البعوضة تدمي مقلة الأسد.
وما أجملك في تواضع، وأرقاك في هدوء، فلا تَهْمِل ولا تُهْمل، وكن لماحاً لماعاً، واحذر أن تعرض ما تحرص عليه للهلاك، وإياك وكثيرة الشك فهو اتهام بالباطل، واستمع لمن يشكو همّه، ولا تفشي سرّه، فإن من سوء الخلق إفشاء السر، ومن خرم المروءة هتك الأعراض .
فقد صحّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ، الرجل يفضي إلى امرأته ، وتفضى إليه ، ثم ينشر سرها )صحيح مسلم ، وسأل رجل عن سبب خلافه مع أهله فقال : (لا أفشي سر زوجتي) فلما طلقها، سأل لِما طلقتها فقال: ( امرأة أجنبية عني لا يعنين شأنها ) .
أخي الزوج علاج المرأة :
واعلم أن خير علاج للمرأة الكلمة الطيبة، والمداعبة بالمعروف، فكان قدوتك صلى الله عليه وسلم ينادي أمك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (يا عائش ، يا حميراء) .
وأن الزوجة لتنظر لزوجها بقدر، فإذا نقص أدبك قل مقدارك، ولا تسمح لنفسك ما لا تسمح به لزوجك، وسألها ماذا تحب، واجلس معها، وتحدث إليها تُسر بذلك وقد قيل : ( من لانت كلمته وجبت محبته ) .
ولا تجرح شعور من تحب بكلمة، ولا تمزق عواطفه بعبارة، ولا تهدم ما بنيت بإشارة أو تقتلع ما زرعته وتعهدته سنيناً بدقائق, وإياك وإهانتها أمام أطفالك فتزرع بيدك بذور كرهك في نفوسهم، وانصحها بالحكمة وتعهدها بالموعظة الحسنة، وجادلها بالتي هي أحسن , ابدي لها احترامك لأهلها، واسأل عنهم، كي تسر بك، وتدافع عنك، ويعظم قدرك عندها.
وإياك والقطيعة، ونسي العشرة، فلا تهون العشرة إلا على من قل ورعه، وخرمة مروءته، فسددوا وقاربوا لقوله عز وجل : {وَأَن تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } [البقرة 237] , وما خاب من استخار وما خسر من استشار.
أخي الزوج، أختي الزوجة :
لا تلتفت لكلام مغرض نمّام، أو مفسد فتّان، فالظن مقبرة الأحبة قال تعالى : { أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ }. [الحجرات6]
وإياك وكثرة الكلام بما لا ينفع، فشرب الدواء بلا حاجة مهلكة، واتهام الناس بلا دليل مظلمة , لا ينقص قدرك بمساعدة أهلك، فكان صلى الله عليه وسلم (كان يخيط ثوبه، و يخصف نعله، و يعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم ( حديث حسن ، واحرص على الهدية فهي رسول المحبة بينكما، ولا ينقص قدرك بكتابة رسالة تسطرها بيمينك وتَذكُر بها أوصاف حبيبك، وتبرق بها بشعر وتجملها بنثر، وتزخرفها برسم .
أختي الزوجة , دواء الرجل :
اعلمي أن دواء الرجل كلمة، تأخذين بها عقله، وتثيرين بها عواطفه، فتأسرين بها قلبه، فيصبح لكِ العبد المطيع، وكلما تجملتي له زاد حبه لكِ، ولا تظهري جمالك لسواه فتخسريه، وتجنبي جداله في غضبه، ولا تناقشيه أمراً في تعبه، واختاري وقتا يحبه، ومدخلا يسره .
واعلمي أن للأم منزلة، وللأب مكاناً، وللعائلة دوراً، فلا تَفرطِ بزوجكِ ولا تجعليه يفرط بأهله , وكلما لانت كلمتكِ زادت محبتكِ، ولا تجادلي حماتكِ فتغار، واحذري أن تتدخلي بشؤونهم الخاصة فيساء فهمكِ، فتندمي , واللبيب من حمى ما يملك لا فرط به , واعلمي أنكِ لن تحبين زوجكِ بقدر ما تحبه أمه، فهي حملته وربته وزوجته, فكوني بمنزلة البنت لها فتحبكِ.
واحذري أن تتحديه، أو تبدي له ما لا يرضيه، فبالحب ترق لكِ النفس وراعيها، وبالحكمة تصلين إلى مبتغاكِ.
أخي الحبيب، أختي الفاضلة :
ترفع عن سقط الكلام، واختر لنفسك صفات الكرام تنل محبة واحتراماً؛ لتكن ليناً في سماحة، قوياً في حكمة، مشفقاً في نصيحة.
من شيم الكرام التجاوز عن الهفوات، فغض طرفك عن عثرات من تحب.
لا تفارق ابتسامتك محياك، وأرفق عملاً بوصية خير المرسلين صلى الله عليه وسلم .
طيّب بذكر الله الكلام، وقم بعملك على أكمل وجه وأحسن نظام.
كن مثالياً في سمتك، إيجابياً في عملك، حريصاً على شعور زوجك، باسطاً كف التوجيه والإرشاد.
واعلم أن لها مثل ما عليها، ولا فرق بينكم إلا بالتقوى، والزوج مكلف بالنفقة، وهي مأمورة بالطاعة،{ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ } [البقرة228] , وإذا أدّيتِ ما عليكِ فلا عليكِ .
هذا وأسأل الله لي ولكم ولجميع المسلمين التوفيق لما فيه الخير، وأن يجمع قلوبنا على طاعته، وأن يخلص لنا النية ويبين لنا ما خفي علينا، إنه جواد كريم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ