أحداث ماسبيرو .. قراءة في الحدث


أحداث ماسبيرو .. قراءة في الحدث


على بُعد مئات الكيلو مترات .. وفي إحدى القرى النائية بأسوان .. يتجمّع عدة عشرات من النصارى لا يتجاوزون الخمسين، اتفقوا على بناء كنيسة وسط المسلمين (الأغلبية)، قرّروا ذلك!! وكأنهم يريدون بناء محل آيس كريم أو محل كشري!!! عندها رفضت الجهات الإدارية طلبهم لأسباب فنية وأخرى أمنيّة، لا شيء ولا إشكال ..


الخطير أن النصارى تجمعوا أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون (ماسبيرو)، وأتت القُسُس وارتفعت الصلبان واشتدّ الهياج، والجيش والشرطة بأسلحتهم (التي ليس بها رصاص إلى الآن!!) يعملون على حماية مُظاهرة النصارى الذين راحوا يُطالبون بحقوقهم!! سبحان الله!!


إنك لو نظرت في كافة أقطار الأرض لن تجد أقليّة أخذت حظا من المكانة والاحترام وأُنزِلَت منزلة لم تنلها الأغلبية: إلّا الأقلية النصرانيّة بمصر، لدرجة أننا – كمسلمين – حقيقة نُطالب ولا زلنا نُطالب بالمُساواة في الحقوق مع النصارى!!


لكن تطوّرت الأمور سريعا، وظهرت الأسلحة النارية، وبدأ ضرب قوات الأمن وسقط بعض أفرادها قتلى وآخرون جرحى، وعندئذ أتت قوات إضافية وتعاملت بحسم مع المُتظاهرين، وقتل منهم زهاء العشرين وجُرِحَ العشرات، والقتل والجرح كله بسبب الاصطدام أو الرصاص، وليس هناك دهس بالمُدرّعات أو العربات العسكرية .. هذه حقيقة .. لكن صُعِّدَت الأحداث، لدرجة أنك إذا تابعت الإذاعات أو القنوات الأجنبية مثل: BBC أو غيرها .. ستجدُ البرامج تستضيف النصارى بمصر أو في المهجر، حيثُ يُنعمون عليهم بلفظ: "الناشط فلان" أو: "الناشط الحقوقي فلان" !! والكلامُ كله مُغاير للحقائق!!


لكن لماذا ماسبيرو؟؟!! لأنه وسط البلد ومركز الإعلام الرسمي، وعنده وُلِدَت جبهة الائتلاف القبطي، فإذا كان التحرير لكل مصر، فإن ساحة ماسبيرو للأقباط النصارى فقط، وهنا التمايُز، أو علاقة العموم والخصوص، أو إشارة إلى أن صوتنا لابُدّ أن يصل إلى الآفاق ويعلو مصر كلها عبر وسائل الإعلام المصرية، وربما كانت إشارة إلى شعور نصارى مصر أنهم أحقُّ بحكم مصر، وقد جرت العادة أن من أراد أن يستولي على سلطان مصر: فلا بُدَّ أن يستوليَ على ماسبيرو .. إشارات كلها مُحتمل أو بعضها – على الأقل – يمكن أن يكون متجها ..


أيضا: لماذا هذا التوقيت؟! هذه عملية مدروسة لتمهيد الوصاية الأجنبية على مصر، والوصاية لا تأتي بالبارشوت دفعة واحدة، وإنما تأتي خطوة خطوة كما حدث مع الأسرة الخديويّة في عهد إسماعيل باشا ومَنْ بعده، حتى انتهى الأمر بعد (40) سنة تقريبا إلى احتلال مصر سنة 1882م، وربما كانت عملية يُقصد بها الإسراع لوضع النصارى في وضعية تليق بهم كصانعين مُحتملين أو حقيقيين للمُستقبل السياسي المصري، وما يتبع ذلك من تحوّلات ثقافية وتعليميّة واجتماعية واقتصاديّة ... وسوف يتجلّى هذا في مسألة "الوثيقة فوق الدستورية"، أو في الواقع: بزيادة تأنيس الاتجاهات السلفية السياسية بدفعها لمزيد من التنازلات (الدحرجة الفكرية).


وبذلك يكون المشهد جاهزا لميلاد طبخة جديدة، بإشراف دولي أو أمريكي لصالح إسرائيل، وتكون الأحزاب الإسلامية ضالعة – دون قصد – في هذا الخيار الصعب الذي من أخطر نتائجه: تصدُّع الصف الإسلامي – ثورة الصفوف المُتأخرة على الصفوف المُتقدِّمة – جلد الذات غير الإيجابي، مما يؤدي إلى ازدياد الاحتقان المنهجي والفكري لدى الاتجاهات الإسلامية السياسية، وبدايات ذلك قد ظهرت بالفعل عند الإخوان، وربما تظهر بقوة في الاتجاه القوي الصاعد وهو: قوة السلفيين السياسيين، الذين يُحاولون ملء الفراغات السياسية الشاغرة في جنبات أحزابهم بكفاءات ربما تكون أقلّ من المطلوب، الأمر الذي سيؤدي إلى نَحْرٍ فكري شخصي، ثم انتحار فكري مؤسسي تجني عاقبته الأجيال الصاعدة، واللهُ حافظٌ لعباده المؤمنين!!


الحل: لا بُدَّ لأصحاب منهج الدعوة السلفية من رصِّ صفوفهم والتأكيد على هويتهم دون الضلوع في العمليّة السياسيّة، بل تعميقُ فعاليات المنهج من: العلم، والعمل، والدعوة، والصبر، ونفع المُسلمين، وبالتالي لن نكون مُتقوقعين، بل نحن في دعوتنا منظمون مؤسسيون، نقوم بواجباتنا الشرعية دون كلل أو ملل، ولا نُشارك في هذه الفتن بمواجهة النصارى أو مُبادأتهم، إلّا إذا لم تستطع الجهات الأمنية مُمثّلة في الجيش والشرطة المُحافظة على المسلمين أو حمايتهم، وعندها نقومُ بدورنا في المُحافظة على أرواح ودماء وأموال وأعراض المُسلمين بالقدرِ الذي يُجيزه لنا الشرع المُبارك الكريم، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم وبارك على النبي الأمين، وعلى آله وأصحابه الغرِّ الميامين إلى يوم الدين.


: 13-10-2011
طباعة