ترجمة الحب

ترجمة الحب

بقلم . أ. فاطمة البطاح .

 تعدد النجاحات التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم في رسالته النبوية الخالدة ، وفي حياته الشخصية زوجاً وأباً وإنساناً ، يبدو مثيراً لدهشة المتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم ، إذ كيف يستطيع شخص أن يحقق كل هذه النجاحات في تأدية أدوار مختلفة ومتعددة ؟!

 لم يكن صلى الله عليه وسلم يملك عصاً سحرية يقوده سحرها من نجاح إلى آخر ، إلا أنه استيعاب النبي صلى الله عليه وسلم وتفهمه لجملة الدوافع ، والحاجات الفطرية الكامنة في النفوس البشرية ، وكان عاملا مساعدا لتعدد نجاحاته في التعامل مع هذه النفوس وتوجيهها!! ولذلك تجده يوجد جواً عاطفياً داخل منزله يشع رحمة وحباً ويتردد في أرجائه صدى العبارة الحلوة التي تفتقدها بيوتنا اليوم .

 هل ثمة أحد منا أن يتصور أن امرأة في مكانة فاطمة رضي الله عنها ، ونضجها العمري ، والعقلي ، وتوفر الأمن النفسي لها حيث تعيش استقلالاً اجتماعياً في كنف زوج ووجود أطفال ، هل ثمة أحد يتصور أنها بحاجة للإحساس المتكرر بمحبة والدها لها ؟ وسماع شيء من الترجمة الغزلية لهذه المحبة حينا بعد آخر ؟!!

 إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم تصور هذا وتفهمه ، ولذلك كرر على مسامع ابنته كلمات أشبعت لديها حاجة فطرية ، وقدمها التاريخ بعد ذلك درساً في أهمية تفهم الاحتياجات الفطرية ، ومدى تأثير الجو المنزلي حينما تسوده العاطفة المترجمة في تحقيق تكيف أعضائه من الناحية الاجتماعية والنفسية والانفعالية ، وهذه الحقيقة تثبتها الآن دراسات علمية قائمة في هذا الشأن ، وتؤكد عليها ؛ فالناشئ من الجنسين ينظر لنفسه ، ولذاته ويتقبلها بنفس الدرجة التي يتقبل بها أعضاء الأسرة هذه الذات ، ويمتدحونها ، ويحيطونها بالود ، والحب ، ويغرقونها ثناءً يُحيط بجانبيها المظهر والمضمون معاً .

 أدرك أنه ليس ثمة أحد ينكر أهمية حب الأب لابنته الناشئة مثلاً، والاجتهاد في تحقيق رغباتها واحتياجاتها الحسية، وإظهار مدى الحرص والخوف عليها ؛ إلا أن الكثيرين يجهلون وقد يغفلون عن أهمية ترجمة هذا الحب الوالدي النبيل إلى كلمات تسمعها البنت وتعتادها فتشبع لديها الحاجة الفطرية إلى الحب ، والمودة وإطراء الذات ، وينقذها من الجوع العاطفي الذي سيفرز حتماً إما انفعالات واضطرابات نفسية مرضية، أو أنماطا سلوكية غير إيجابية، فالبنت حتى وإن توفر لديها يقيناً لايداخله شك في محبة أهلها لها وخوفهم عليها، إلا أن عدم اعتيادها على سماع كلمات الحب والثناء من أبيها ، وأخيها وكل من حولها سيجعل إصغاءها ، ومن ثم انقيادها سهلاً وسريعاً مع بريق أي ثناء كاذب ، أو صدى كلمة حب مصنوعة غير بريئة ، تسمعها عبر سماعة الهاتف، أو من خلال غرفة دردشة، أو غيرها .

 ولهذا يفترض أن نعلن أن بيوتنا لم يعد ينقصها وجود الحب الحقيقي بين أفرادها ؛ لأنه قد يكون موجودا ، وبقدر حاجتها الماسة لمن يترجم هذا الحب إلى عبارات جميلة ، وكلمات رطبة تساهم في إزالة قدر من الجفاف المزمن الذي إن تقبلناه نحن اعتياداً وإدماناً في فترة زمنية ماضية فلا نتوهم أن الجيل الجديد قادر على احتماله ، والعالم من حوله عبر تقنياته الحديثة يمطره فنوناً من الحب والإغراء المصنوعين لفظاً وحركة..

 

: 05-03-2011
طباعة