بنر التطوير

بنر الاعلان عن الاشراف

مركز السمنودي العالمي لتحفيظ القرآن الكريم والاجازة

المحاضرة السابعة والتسعون يوم الثلاثاء 7 شوال 1445 الموافق 16 ابريل 2024 فاعلم انه لا اله الا الله => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الثامنة والتسعون يوم الثلاثاء 7 شوال 1445 الموافق 16 ابريل 2024 عن الادعية في الصلاة => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة التاسعة والتسعون يوم الاربعاء 8 شوال 1445 الموافق 17 ابريل 2024 عن قضية التوحيد توحيد الذات والاسماء والصفات => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة المائة يوم الاربعاء 8 شوال 1445 الموافق 17 ابريل 2024 الكلام ما زال موصولا عن الاية 12 و 13 من ايات سورة العنكبوت => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الاولي بعد المائة يوم الخميس 9 شوال 1445 الموافق18 ابريل 2024 ما زال الحديث موصولا عن توحيد الاسماء والصفات => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الثانية بعد المائة يوم الجمعة 10 شوال 1445 الموافق 19 ابريل 2024 الكلام عن قوله تعالي ولا تنس نصيبك من الدنيا => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الثالثة بعد المائة يوم الجمعة 10 شوال 1445 الموافق 19 ابريل 2024 الكلام عن قضية التوحيد بصفة عامة وتوحيد الاسماء والصفات بصفة خاصة وعن صفة العلو والقرب لله عز وجل بصفة اخص => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? خطبة الجمعة 10 شوال 1445 الموافق 19 ابريل 2024 من روز سيتي ويندسور بكندا بعنوان موعظة مودع => خطب جمعة واعياد ? المحاضرة الرابعة بعد المائة يوم الجمعة 10 شوال 1445 الموافق 19 ابريل 2024 الكلام عن النصف الثاني من كلمة التوحيد واشهد ان محمد رسول الله وحياة النبي صلي الله عليه وسلم قبل البعثة => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الخامسة بعد المائة يوم السبت 11 شوال 1445 الموافق 20 ابريل 2024 مواصلة الحديث عن بعثة النبي صلي الله عليه وسلم => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ?

صفحة جديدة 2

القائمـــــة الرئيسيـــــــــة

ترجمة معاني القرآن بأكثر من 50 لغة عالمية
صفحة جديدة 2

اشتراك ومتابعة الدورات

صفحة جديدة 2

قاعات البث المباشر

صفحة جديدة 2

جديد لوحة الشرف للطلاب

صفحة جديدة 2 صفحة جديدة 2

خدمــــــات

صفحة جديدة 2

عدد الزوار

انت الزائر :754224
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0 الزوار :
تفاصيل المتواجدون
صفحة جديدة 2

احصائيات الزوار

الاحصائيات
لهذا اليوم : 11538
بالامس : 21662
لهذا الأسبوع : 11528
لهذا الشهر : 511588
لهذه السنة : 3203247
منذ البدء : 89751426
تاريخ بدء الإحصائيات : 6-5-2011

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

 

Check Google Page Rank

 

سنن الله في الحضارات

المقال

سنن الله في الحضارات
5387 زائر
03-01-2013
د•عصام البشير

سنن الله في الحضارات

د·عصام البشير



لقد نبه القرآن الكريم في الكثير من آياته إلى أن الأمم لا تقوم أو تسقط اعتباطاً بل بناءً على سنن ثابتة لا تتغير أو تتبدل، ووفق عوامل لا تخرق أو تختزل· وتعتبر الفكرة أشد عوامل النهوض أهمية فهي التي تشكل تصور الأمم لحقيقة الوجود والكون والإنسان والحياة، فهذه الفكرة في طبيعتها الفلسفية عامة، وفي طبيعتها الدينية خاصة هي المحدد الأكبر لمصير الأمم والشعوب من حيث التخلف والتقدم، ومن البداوة والتحضر، وذلك بحسب ما تكون عليه من تحديد في مجال تصور الوجود والكون والإنسان والحياة ومصداق ذلك يبدو أن كل التحولات الحضارية الكبرى التي حدثت في تاريخ الإنسان كانت ناتجة من تحولات كبرى في تصور حقيقة الوجود والحياة، سواء كانت حضارات دينية أو غير دينية·
إن تصور حقيقة الوجود والحياة ليس كافياً وحده ليحدث التغير الحضاري، بل لا بد له من كيفية إيمانية تحول هذا التصور من نظرة نظرية باهتة تزاحمها تصورات أخرى إلى فكرة تبلغ درجة الإيمان ·· تملأ القلب و الجوانح، وتطلق الأعضاء والجوارح، وتأخذ بمجامع الألباب، فتقوى إرادة العمل وتنمو طاقة الفعل ويتواصل الجهد وتتضافر الطاقات لتثمر عطاءً ثقافياً وتغييراً حضارياً·
الإنسان
والإنسان هو هدف الحضارة ووسيلتها، وهو محل الثقة وحاملها، لذلك لا يتخيل وجود حضارة لا تركز على الإنسان· اهتماماً بواقعة، وتحسيناً لأحواله الصحية والتعليمية والمعيشية، وحلاً لمشكلاته واحتراماً لحقوقه الأساسية حتى ينشط للحركة ويتطلع للريادة·
إن المعيار الذي يمكن أن تقاس به الحضارات هو موقع الإنسان فيها، وتصورها عنه، وطبيعة القيم التي يلتزم بها ومدى احترامها لإنسانيته ومقوماته·
إن الذين يسعون لاستيراد تصوراتهم عن الإنسان وحقوقه من الحضارة الغربية يقعون في خطأ كبير، ذلك أن الحضارة الغربية رغم ما أعطت للإنسان من حرية وكرامة وتطور مادي ورفه معيشي فقد أخطأت في فهم الإنسان وطبيعته ومعرفة خصائصه لأنها أسقطت الجانب الروحي فيه وأبعدت الدين عنه نتيجة لصراعها مع الكنيسة، كذلك تمادت الحضارة الغربية في خطئها بعدم بحثها عن العلة الحقيقية في قلق إنسانها وإمعانها في إيجاد حلول مادية لملء الفراغ الروحي الحادث في مجتمعاتها·
إن العقيدة الإسلامية جعلت الإنسان مدار الحركة التغيرية ومحورها، وأوكلت إليه مهمة التغير والبناء وكلفته بتحقيق الخلافة على هذه الأرض ولفتت نظره إلى كيفيات التعامل مع الكون والحياة واستغلال ما على ظهر الأرض واستخراج ما في باطنها مستفيداً من عنصري الزمن لإنتاج الحضارة واستعمار الأرض حملاً لأمانة الاستخلاف وتحقيقاً للعبودية التي خلق لأجلها·
إن الرؤية الحضارية الإسلامية للإنسان تتمثل في إنسانية النزعة والهدف، وعالمية الأفق والرسالة، إذا إنها تنظر إلى الناس بمقياس واحد لا تفسده القومية أو الجنس أو للون·
العلم
كما أنه لا يمكن للمسلمين أن يستعيدوا ريادتهم الحضارية إلا بالعلم، وأهم ما يجب أن يتسلح به المسلم لبناء دور حضاري رائد هو: العلم بواقعنا المعاصر: إذ إن واقعنا المعاصر تسيطر عليه حضارات تمتلك رصيداً مادياً ضخماً لكنها تعاني فراغاً روحياً كبيراً يتطلب من المسلمين معرفة المدخل الحضاري المناسب لتقديم الحاجة المفقودة لاستعادة إنسانية الإنسان، وللتحول من الاهتمام بأشياء الإنسان ـ وهي مهمة بلا شك للتوجه إلى ترقية خصائص الإنسان وتحقيق سعادته، لأنه معيار الحضارة الحقيقي، ومن الأمور المهمة التي ينبغي علينا أن ندركها أن الوراثة الحضارية باتت لا تعني التعاقب أو التداول والنفي والإقصاء بعد ثورة المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا بمقدار ما تعني القدرة على التحرك من داخل الحضارة لتغيير وجهتها، حيث لم تعد الحضارة حكراً على أحد وإنما هي مشترك إنساني وإرث عام وتراكم معرفي، والأصلح هو الأقدر على تحديد وجهتها·
ثم يأتي بعد ذلك التخصص في شعب المعرفة إذْ إن استعادة الريادة الحضارية لا يمكن أن تُتَصور في غياب إشاعة التخصص الدقيق في شتى مناحي المعرفة، ذلك لأن التخصص قد غدا من فروض الكفاية وهو متعين فيمن تهيأ له يؤدي إلى تقسيم العمل وتجويده وإحسانه وبلوغ الثمرة المرجوة منه·
سنن الله
والفرد المسلم مطالب بالعلم بالسنن حيث إن معرفة سنن الله في النفس والمجتمعات عامل رئيس في الوصول إلى الشهود الحضارية، ذلك أن الله وضع للبشر سنناً من حفظها حفظته ومن ضيعها ضيعته، غير أن كثيراً من المسلمين حولوا أنظارهم من اتباع السنن إلى خرقها، ومن التفاعل مع السنن الجارية إلى إضاعة الوقت والجهد في سبيل تخطيها· مثل: سنن التغيير، والتداول الحضاري، والتدرج، والتدافع، وسنن السقوط والبناء·
ومن الشروط الواجب توافرها لتحقيق الريادة الحضارية إطلاق النظر الاجتهادي من قيود الجمود والتقليد وتوسيع دائرة الحراك الفكري على أوسع مدى واحترام التخصص والخبرة وتقديم أهل الخبرة والرسوخ·
ذلك أن الاجتهاد وتحريك العقول، وتوسيع دائرة الرأي والتشاور والتفاكر والتحاور مع الذات والحوار مع الآخر هو الذي يحرك رواكد الأمة، ويطلق طاقاتها المعطلة ويثير فاعليتها، ويشحذ همتها ويذهب بغثائها ويثبت صوابها وينقلها من موقع التلقي والأخذ إلى موقع المساهمة والعطاء الحضاري العالمي· والحضارات تبنى بالاستغلال الأمثل للوقت وبحسن إدراته، ذلك أن إدارة الوقت من الحكمة التي عرفها ابن القيم بقوله: (هي فعل ما ينبغي، على الوجه الذي ينبغي، في الوقت الذي ينبغي
ويكون الاستغلال الأمثل للوقت بـ: >التخطيط ، التنظيم، التوجيه، الرقابة، واتخاذ القراراتوعدل الله اقتضى أن من علم سنن الله في نهوض الأمم وسقوطها وعمل بمقتضى هذا العلم أن يوفق ويسدد، وأن من ضيَّع هذه السنن وأهمل هذه القواعد أن يزول ويندثر، ومن أهم السنن التي تسهم إسهاماً كبيراً في هذا الصدد:
العدل في مقابلة الإحباطات: فالحضارة إنما تبنى بالعدل، لذلك حفلت آيات القرآن الكريم بالحض على العدل، الذي هو الغاية الأساسية من إرسال الرسل: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) الحديد:25، فقد أمر الله الناس به أمراً عاماً: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ (النحل: من الآية90، (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) المائدة: 8، وأثنى على فئة صالحة من الناس: (يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) الأعراف:159، وذكر في كتابه الكريم ما يدل على أنه ينبغي أن يتخلّل كل شيء· في القول: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا (الأنعام: 152، وفي الحكم: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ (النساء: 58، وفي الإصلاح: (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْل) الحجرات: 9، وفي القوامة: (وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ) النساء: 127، وحذر من كل ما يمكن أن يخل بالموقف العادل: (فلا تَتّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا) النساء:135، (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا) المائدة: 8، (يأيها الذين آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ) النساء: 135، ومن جميل ما قيل >أن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام وأن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة
أما الظلم فهو معول هدم الحضارات· يقول العلامة ابن خلدون في مقدمته، تحت عنوان >الظلم مؤذن بخراب العمران<: >اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها لما يرونه حينئذٍ من أن غايتها ومصيرها انتابها من أيديهم وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السعي في ذلك وعلى قدر الاعتداء ونسبته يكون انقباض الرعايا عن السعي في الاكتساب فإذا كان الاعتداء كثيراً عاماً في جميع أبواب المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالآمال جملة بدخوله من جميع أبوابها وإن كان الاعتداء يسيراً كان الانقباض عن الكسب على نسبته والعمران وفوره ونفاق أسواقه إنما هو بالأعمال وسعي الناس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين فإذا قعد الناس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانتقضت الأحوال وذُعر الناس في الآفاق من غير تلك الإيالية في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقها فخف ساكنو القطر وخلت دياره وخرجت أمصاره واختلّ باختلاله حال الدولة والسلطان لما أنها صورة للعمران تفسد بفساد مادتها ضرورة
ويشهد التاريخ أنه ما من حضارة إلا وكان خلفها تجمع حول إيمان بفكرة: سماوية كانت أو أرضية، هذه الفكرة أوقدت جذوة السعي الجاد لتحقيق ما تدعوا إليه في أرض الواقع وتحمل مشاق هذا السعي صعوداً في درج الرقي والسيادة، والتاريخ يشهد ـ كذلك ـ أنه ما من حضارة بادت إلا بعد أن أعملت معاول الفرقة فيها عملها من غياب للشورى وطغيان للفرد واستخفاف بالشعوب وإذلال لها، وخضوع وخنوع من قبل الشعوب ورضاً بالواقع واستسلاماً له، وبعد عن أصل الفكرة التي ألهمت الجيل الأول الطاقة الروحية للبناء، فتفرقت الكلمة، وتعددت الزعامات، واختلفت الدعوات، فحقت عليها سنَّة الله·
وبناء الحضارات يقتضي أن يعرف المجتمع دوره وينهض به على أكمل وجه، عبر مؤسسات فاعلة في تخصصاتها وتتقاطع في مجالاتها لكنها تتحد في أهدافها الكلية وغاياتها النهائية، تماماً كاللوحة الجميلة تختلف ألوانها وتتقاطع خطوطها لكنها تتكامل فيما بينها لتعطي الشكل النهائي المرجو·
إن تحمل المسؤولية هو الذي يردم الهوة بين الواقع الموجود والمثال المنشود، فالمثال المنشود يظل نظرية في أذهان الناس حتى تجد النظرية المجتمع الذي يتحمل مسؤولية تطبيقها في أرض الواقع، كما أن الفوضى (غياب المسؤولية) هو الذي يهوي بالمثال الموجود ـ الذي بذل في بنائه الأجداد العرق والدم ـ أسفل سافلين·
وقد بيَّن القرآن الكريم زوال كثير من الأمم لأسباب تجمع الفساد في شتى مناحي الحياة: الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مثل اقتراف الفواحش واتباع الشهوات، واستعلان المنكر وعدم التناهي عنه كما فعل بنو إسرائيل (كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ) المائدة: 97، والكفر بأنعم الله وعدم القيام بشكرها بل استخدامها في معاصي الله (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) النحل: 112)، والترف والبطر (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا) القصص:58، ومن ذلك ادعاء امتلاك الحقيقة المطلقة (مَا أُرِيكُمْ إِلا مَا أرَى) غافر: 92·
وكل واحدة من هذه الجرائم حرية أن تعجِّل بعقاب الله وبأسه الذي لا يرد عن القوم المجرمين· فكيف إذا اجتمع عدد منها في أمة من الأمم أو مجتمع من المجتمعات· والناظر في الحضارة التي تسود عالمنا اليوم يجدها قد أخذت بنصيب يكثر أو يقل من حضارات الهالكين، وانحرافاتهم العقدية والفكرية والسلوكية فلا غرو أن يخشى عليها أن ينزل بأهلها ما نزل بهم (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الأَمْثَالَ· وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَال) ابراهيم:45-64·
الوراثة الحضارية
منهج النظر في قضية استعادة الريادة الحضارية له شقان:
وأولهما يتمثل في معرفة ذاتنا والعمل على تفعيل خصائصنا الحضارية ·· فواقعنا ينطوي على كثير من الثغرات والعثرات التي يجب أن لا تُتجاهل أو يُقفز فوقها وإلا كان ذلك إمعاناً في الوهم أو إسرافاً في التمني، لا يتغير بهما حال ولا تقوم بهما نهضة·
وثانيهما: يتمثل في معرفتنا بالآخر وبإنجازه الحضاري وإشكالياته وإصاباته كشريك حضاري يمتلك أدوات السبق والغلبة والحضور في كل المواقع·
والخصائص الحضارية للأمة الإسلامية التي تؤهلها للريادة الحضارية، تظل أطروحات نظرية لا نصيب لها في أرض الواقع إن لم تُفعّل، فالنص الخالد والهدي النبوي ليسا إلا خطاباً موجهاً للمسلمين، وحال الأمة لا يُصلح بالوجود المجرد لهذا الخطاب بل يصلح بقدر ما تستجيب الأمة لهذا الخطاب استلهاماً وفهماً وعملاً وتطبيقاً، فمشكلة الحضارة الإسلامية ليست في غياب النصوص الهادية والخصائص المبلغة بقدر ما هي في تجسيد هذه النصوص في أمة تحملها وتنفذها، وتنزيل هذه الخصائص في مجتمع يتمثلها ويطبقها، أهم ما يجب أن يركز عليه في تفعيل هذه الخصائص الحضارية يتمثل فيما يلي:
إحياء منهج الوسطية
ـ يتجسد في معالجة اختلال سوء الفهم للإسلام بإحياء منهج الوسطية والاعتدال بعيداً عن طرفي الغلو والتقصير وتنقيته من الشوائب التي كدّرت صفاءه ليجمع بين محكمات الشرع ويرعى متغيرات العصر· وإطلاق طاقة التعمير المادي في الفكر الإسلامي إذ لا يتحقق الإيمان الحق إلا بالنهوض بواجب تعمير الأرض التي استعمرنا الله فيها >أي طلب أن نعمرها<، وقد حقق سلفنا هذا الفهم الإيماني فأنشأوا عمراناً مادياً متعدد الجوانب ثري النتائج، وتجلت هذه الطاقة التعميرية عندهم في صفحة الكون المنظور عناية بالوجود المادي، وخلافاً لما شاع قبل الإسلام من تحقير للوجود المادي واعتبار الانشغال به منقصة يجب التنزه عنها ـ إذ جعل الإسلام الوجود المادي دليلاً على وجود الله، ومعيناً على طاعته ومذكراً بفضله ونعمته لغرس الآخرة·
ثم تأتي تجليات الأنفس والآفاق، وذلك بالتدبُّر والتفكُّر في آيات الله والسعي لاكتشاف قوانين المادة وتركيبها ونحو ذلك وصولاً إلى منفعتين أولاهما ترسيخ العلم الغيبي (وجود الله) وثانيهما تحقيق العلم المادي·
والعلم بالقوانين الكونية المادية فضلاً عن أنه يوصل إلى الله فهو وسيلة للاستنفاع والإفادة من الكون واستثمار ذلك في تنمية الحياة وترقيتها مأكلاً وملبساً ومسكنا وزينة، بما يعود على الإنسان بالسعادة وفق الضوابط الشرعية التي تحول بين أن يصبح الاستنفاع المادي هو الغاية في الحياة، وترتفع به أن يكون منقصاً للسمو الروحي وتنأى به أن يكون معول للهدم·
عمل القلب
والعقيدة الإسلامية تثمِّن عمل القلب وكسب الجارحة وترتب الأجر على الإخلاص و الصواب في كليهما، بل وتجعل عمل الجوارح من شعب الإيمان إذ إن الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها >لا إله إلا الله<، وأدناها >إماطة الأذى عن الطريق< فإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق ـ على قلة ما فيها من جهد بدني ـ من شعب الإيمان فما الظن بما هو أكبر جهداً وأكثر نفعاً·
والإنسان في العقيدة الإسلامية مخلوق مكرَّم وليس صاحب خطيئة أصيلة كما ترى النصرانية المحرَّفة (ولقد كرمنا بني آدم …)، هذا التكريم مطلق لكل بني آدم على اختلاف ألوانهم وقومياتهم وعقائدهم، وبناءً على هذا التكريم فإن العقيدة الإسلامية تحدث في نفوس المؤمنين بها الدافع الإرادي لتزكية النفس والسعي نحو الكمال البشري المتاح وتنمي فيهم حب القيم والتمسك بها· الأمر الذي يثمر رابطة اجتماعية قوية إذ إن القيم الإنسانية ذات طابع جماعي الأمر الذي يؤدي إلى ترابط المجتمع وتكاتفه· ـ الدعوة إلى طلب العلم: أول ما نزل من القرآن هو قوله تعالى:"إقرأ"، والآيات القرآنية والأحاديث النبوية في طلب العلم أكثر من أن تُستقصى، وفي هذا دعوة للأمة· أن تسعى لتخطي الأمية التي تغلب على مجتمعات المسلمين، وأن تعمل على ترقية المستوى الثقافي، فالإسلام يدعوا إلى إحسان العمل وإتقانه >إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه<، والمسلمون من هذا المنطلق يثمنون قيمة العمل، ويسيرون به في خط صاعد·· فلا يقل حجمه ولا يتراجع مستواه ولا تغلب عليه النمطية والتقليد ولا يفتقر إلى الإبداع والتجديد·
وتأتي بعد ذلك الشورى، فهي في الإسلام شأن من شؤون الأمة الإسلامية وليس الدولة فحسب كما غلب الفهم في أيامنا هذه، وآية الشورى: (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) الشورى: 38، نزلت قبل أن يكون للمسلمين دولة، وسنَّة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقامت الشورى قبل الدولة، فلا يجدر بالمسلمين الذين لم يعرف أحد أكثر مشورة لأصحابه من نبيهم أن تغيب عنهم الشورى ويضيق أفقها ويهجر مضمونها، وتنتهك فيهم الحريات والحقوق التي أقرها دينهم·
كما أنه يجب أن نتعرف إلى الحضارة الغربية ومن أهم ما يجب معرفته عنها أنها: ناقدة لذاتها مصوِّبة لمسارها: فالحضارة الغربية تحس بأمراضها بل تفزع منها وتعمل على علاجها لدرجة أن بعض الباحثين قال:"إن معرفتنا بالأمراض الحضارية اليوم، التي نكتب ونخطب فيها ليست من كشفنا وبحثنا وتحليلاتنا، إنما هي قراءة في إحصاءات وكتابات ودراسات أصحاب الحضارة نفسها، فأهل الحضارة هم الذين يكتشفون أمراضها بأنفسهم، ونحن قد نتمثل في ذلك برجع الصدى، إضافة إلى أن الحضارة المتسلطة اليوم ليست مصابة بعمى الألوان والصلف المردي، وإنما تسعى لاكتشاف أمراضها ومداواة نفسها بنفسها· كما أنها حريصة على ألا تصل إلى مرحلة الشيخوخة الحضارية، وألا تنطبق عليها نظرية الدورية الحضارية الخلدونية المعروفة لأنها تحاول استدعاء الشباب الحضاري واحتواء العالم لتتقوي به على شفاء نفسها و ضمان استمرارها·
وقد حققت سبقاً حضارياً في المجال المادي يصعب إدراكه دعك من التفوق عليه، وأخذت تصبغ ثقافتها والعالم من حولها بهذا السبق الحضاري، فتهاوت أمامها الثقافات الهشة، وتأثرت بها كل الثقافات بلا استثناء وإن تفاوتت درجة التأثر·

   طباعة 
0 صوت
الوصلات الاضافية
عنوان الوصلة استماع او مشاهدة تحميل

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة تعليق »

إضافة تعليق
اسمك

/99999999999999999999999999999999999999999999000000
تعليقك
5 + 3 =
أدخل الناتج

جديد المقالات

الصفات المميزة لأهل السُنة والجماعة - فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله
تميزوا! - فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله
الدرس الحادي عشر - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس العاشر - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس التاسع - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس الثامن - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس السابع - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس السادس - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس الخامس - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس الرابع - مقدمة في علم تحرير القراءات

إغلاق