بنر التطوير

بنر الاعلان عن الاشراف

مركز السمنودي العالمي لتحفيظ القرآن الكريم والاجازة

المحاضرة السادسة والتسعون يوم الاثنين 6 شوال 1445 الموافق 15 ابريل 2024 ما زال الحديث موصولا عن العبادات وتصحيح المفاهيم واليوم الحديث عن توحيد الذات => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة السابعة والتسعون يوم الثلاثاء 7 شوال 1445 الموافق 16 ابريل 2024 فاعلم انه لا اله الا الله => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الثامنة والتسعون يوم الثلاثاء 7 شوال 1445 الموافق 16 ابريل 2024 عن الادعية في الصلاة => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة التاسعة والتسعون يوم الاربعاء 8 شوال 1445 الموافق 17 ابريل 2024 عن قضية التوحيد توحيد الذات والاسماء والصفات => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة المائة يوم الاربعاء 8 شوال 1445 الموافق 17 ابريل 2024 الكلام ما زال موصولا عن الاية 12 و 13 من ايات سورة العنكبوت => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الاولي بعد المائة يوم الخميس 9 شوال 1445 الموافق18 ابريل 2024 ما زال الحديث موصولا عن توحيد الاسماء والصفات => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الثانية بعد المائة يوم الجمعة 10 شوال 1445 الموافق 19 ابريل 2024 الكلام عن قوله تعالي ولا تنس نصيبك من الدنيا => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? المحاضرة الثالثة بعد المائة يوم الجمعة 10 شوال 1445 الموافق 19 ابريل 2024 الكلام عن قضية التوحيد بصفة عامة وتوحيد الاسماء والصفات بصفة خاصة وعن صفة العلو والقرب لله عز وجل بصفة اخص => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ? خطبة الجمعة 10 شوال 1445 الموافق 19 ابريل 2024 من روز سيتي ويندسور بكندا بعنوان موعظة مودع => خطب جمعة واعياد ? المحاضرة الرابعة بعد المائة يوم الجمعة 10 شوال 1445 الموافق 19 ابريل 2024 الكلام عن النصف الثاني من كلمة التوحيد واشهد ان محمد رسول الله وحياة النبي صلي الله عليه وسلم قبل البعثة => محاضرات العقيدة بكندا 27-1-2024 ?

صفحة جديدة 2

القائمـــــة الرئيسيـــــــــة

الا حبيب الله يا عباد الصليب
صفحة جديدة 2

اشتراك ومتابعة الدورات

صفحة جديدة 2

قاعات البث المباشر

صفحة جديدة 2

جديد لوحة الشرف للطلاب

صفحة جديدة 2 صفحة جديدة 2

خدمــــــات

صفحة جديدة 2

عدد الزوار

انت الزائر :754224
[يتصفح الموقع حالياً [
الاعضاء :0 الزوار :
تفاصيل المتواجدون
صفحة جديدة 2

احصائيات الزوار

الاحصائيات
لهذا اليوم : 6908
بالامس : 21662
لهذا الأسبوع : 6904
لهذا الشهر : 506959
لهذه السنة : 3198620
منذ البدء : 89746793
تاريخ بدء الإحصائيات : 6-5-2011

RSS

Twitter

Facebook

Youtube

 

Check Google Page Rank

 

ديوان المظالم في العصور الإسلامية

المقال

ديوان المظالم في العصور الإسلامية
5373 زائر
03-01-2013
"د." راغب السرجاني

ديوان المظالم في العصور الإسلامية
"د." راغب السرجاني


مما لا شكَّ فيه أن أول من طَبَّق النظر في المظالم، هو النبي ، لكنه لم يكن بشكله الذي كان عليه في الخلافة الأموية بعد ذلك، وكان ذلك طبيعيًّا؛ إذ لم يكن في عهد الرسول ما يستدعي وجود ولاية المظالم إلا في حالات قليلة جدًّا، مثل ما وقع بين الرسول وبين ابن اللتبيّة الأزدي، فقد استعمله رسول الله على صدقات (بني سليم)، فلما جاء حاسبه -وهو ما يرويه أبو حميد الساعدي- فقال: هذا مالكم وهذا هدية.
فقال رسول الله : "فَهَلاَّ جَلَسْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا". ثم خطبنا فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال : "أَمَّا بَعْدُ؛ فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى الْعَمَلِ مِمَّا وَلاَّنِي اللهُ، فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ، وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي. أَفَلاَ جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللهِ! لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلاَّ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَلأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ" (البخاري).

عصر الخلفاء الراشدين
وقد أعلن خليفة رسول الله أبو بكر عن عزمه للقيام بقضاء المظالم؛ لرفع الظلم، وإقامة العدل والحق، وكان ذلك في أول خطبة خطبها ، فقال: " أمَّا بعد؛ أيها الناس، فإنِّي قد وُلِّيت عليكم ولستُ بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني؛ وإن أسأت فقوِّموني؛ الصدق أمانةٌ، والكذب خيانةٌ، والضَّعيف فيكم قويٌّ عندي حتى أريح عليه حقَّه إن شاء الله، والقويُّ فيكم ضعيفٌ عندي حتى آخذ الحقَّ منه..."
وبدأ قضاء المظالم يأخذ في التدرج منذ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، فقد كان يجمع ولاته وأمراءه كل عام في موسم الحج، ويستمع إلى شكاوى الناس، ويقتصُّ من المسيء من هؤلاء الولاة والأمراء، بل أقر عمر مبدأ مهمًّا في محاسبة الولاة والعمال، هذا المبدأ هو ما نسميه اليوم "إساءة استعمال النفوذ"، وقد ظهر جليًّا مع والي مصروأحد أبنائه، الذي لطم مصريًّا سبقه في عدْوٍ كان بينهما.

وهذه القصة يرويها أنس بن مالك؛ إذ قال: "إن رجلاً من أهل مصر أتى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين، عائذ بك من الظلم. قال: عُذْتَ مَعَاذًا قال: سابقتُ ابن عمرو بن العاص فسبقته، فجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين. فكتب عمر إلى عَمرو يأمره بالقدوم ويُقْدِم بابنه معه، فَقَدِمَ، فقال عمر : أين المصري؟ خذ السطو فاضرب. فجعل يضربه بالسوط، ويقول عمر : اضرب ابن الأكرمين. قال أَنس : فضُرب، فوالله لقد ضربه ونحن نحبُّ ضربه، فما أقلع عنه حتى تمنَّيْنَا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصريِّ: ضع السوط على صلعة عَمرو . فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني، وقد استقدت منه. فقال عمر لعَمرو: مذ كم تَعَبَّدْتُم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا؟ قال: يا أمير المؤمنين، لم أعلم، ولم يأتني" .
قد يتملكنا النصب والتعب إذا أردنا أن نجد قصة شبيهة، أو موقفًا مماثلاً في تاريخ الأمم الأخرى، لقد استُقود من الابن أمام أبيه، ولم يكن مجرَّد ابن عادي؛ فهو ابن أمير مصر، ولا عجب في ذلك؛ إذ الناس سواسية أمام الإسلام وحضارته.

عصر الخلافة الأموية:
وفي عهد الخلافة الأموية كان عبد الملك بن مروان أشهر من جلس لهذه الولاية، ويجب أن نوضِّح أن ولاية المظالم، تتطلب علمًا بالأحكام الشرعية، وقدرة على الاجتهاد مع النصوص، وهذا يعني أن هذه الولاية تحتاج إلى فقيه عالم؛ ولذلك كان الخلفاء في الحضارة الإسلامية الذين يقومون بولاية المظالم على علم راسخ بمسائل الفقه والفروع، وكان الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان من أوائل الخلفاء الأمويين الذين جلسوا لولاية المظالم، ولم يكن هؤلاء الخلفاء القائمون بولاية المظالم يُفْتُون بغير علم، أو يُنزلون العقوبة بغير استيعاب للقضايا، ثم الحكم فيها.

وتوسَّعت ولاية المظالم في عهد عمر بن عبد العزيز رحمه الله؛ فقد اغتصب عدي بن أرطاة (ت 102هـ) والي البصرة، أرضًا لرجل، فقرر الرجل أن يتجه إلى الخليفة رأسًا في دمشق، وهو ما يرويه ابن عبد الحكم بقوله: "خرج عُمَر -رحمه الله- ذات يوم من منزله... إذ جاء رجل على راحلة له فأناخها، فسأل عن عُمَر، فقيل له: قد خرج علينا وهو راجع الآن، فأقبل عُمَر، فقام إليه الرجل فشكا إليه عدي بن أرطاة، فقال عُمَر: أما والله ما غرَّنا منه إلا بعمامته السوداء! أما إني قد كتبتُ إليه، فضلَّ عن وصيتي: إنه من أتاك ببيِّنَة على حق هو له فَسَلِّمْه إليه، ثم قد عَنَّاك إليَّ ( شق عليك). فأمر عُمَر بِرَدِّ أرضه إليه، ثم قال له: كم أنفقت في مجيئك إليَّ؟ فقال: يا أمير المؤمنين، تسألني عن نفقتي، وأنت قد رددت عليَّ أرضي، وهي خير من مئة ألف؟ فقال عُمَر: إنما رددت عليك حقك، فأخبرني كم أنفقت؟ قال: ما أدري. قال: احزره. قال: ستين درهمًا. فأمر له بها من بيت المال".

إن المتأمل في هذا الموقف ليندهش من فعل أمير المؤمنين، إنه رئيس أكبر دولة لها كيانها الثقافي والعسكري والحضاري، ومع هذه العظمة، لا يتوانى أمير المؤمنين في القصاص من والي البصرة، واسترداد الحق لصاحبه، بل أعظم من ذلك يُحَمِّل بيت المال (خزينة الدولة) نفقات انتقال المدعي مهما كانت ضئيلة أو كبيرة، وهذا من أعظم مظاهر رقي الحضارة الإسلامية، وتكافلها مع أفرادها.

العصر العباسي:
وأما في العصر العباسي ، فقد تَطَوَّر النظر في المظالم حتى أخذ شكلاً ناضجًا جدًّا في منتصف القرن الخامس الهجري، فأصبح للمظالم ديوان مستقلٌّ، أي ما يُعادل وزارة مختصَّة في زماننا الآن، وقد ترك لنا الماوردي صورة رائعة عن الأصناف التي تقوم بهذا الديوان، وهم:
الحماة والأعوان؛ لجذب القوي، وتقويم الجريء، فالحماة هم كبار القواد، والأعوان هم الشرطة القضائية.
القضاة والحكام؛ لاستعلام ما يثبت عندهم من الحقوق، وبهذا استدركوا النقص الذي يمكن أن يكون في والي المظالم من حيث معرفته بالقضاء وبالأصول القضائية.
الفقهاء؛ ليُرجع إليهم فيما أُشْكل، ويسألهم عما اشتبه، وبهذا أكملوا نقص العلم المحتمل.
الكُتَّاب؛ ليُثبتوا ما جرى بين الخصوم، وما توجَّب لهم أو عليهم من حقوق.
الشهود؛ ليُشهدهم على ما أوجبه من حق، وأمضاه من حكم، وهؤلاء يُشبهون "النيابة العامة".

وقد جلس خلفاء وأمراء العباسيين لولاية المظالم، ومن أعجب الأمثلة التي ذُكِرَتْ عن هذه الولاية، أن رجلاً دخل على أبي جعفر المنصور -وكان والي المظالم على أرمينية في خلافة أخيه أبي العباس السفاح- فقال: "إن لي مظلمة، وإني أسألك أن تسمع مني مثلاً أضربه قبل أن أذكر مظلمتي. قال: قل. قال: إني وجلتُ لله تبارك وتعالى، خلَقَ الخلقَ على طبقاتٍ، فالصبيُّ إذا خرج إلى الدنيا لا يعرف إلا أمه، ولا يطلبُ غيرها، فإذا فزع من شيء لجأ إليها، ثم يرتفعُ عن ذلك طبقة، فيعرف أن أباه أَعَزّ من أمه، فإن أفزعه شيءٌ لجأ إلى أبيه، ثم يبلغ ويستحكم، فإن أفزعه شيء لجأ إلى سلطانه، فإن ظلمه ظالم انتصر به، فإذا ظلمه السلطان لجأ إلى ربه واستنصره، وقد كنتُ في هذه الطبقات، وقد ظلمني ابن نهيك (عثمان بن نهيك قائد جيش أبي جعفر) في ضيعة لي في ولايته، فإن نصرتني عليه، وأخذتَ بمظلمتي وإلا استنصرتُ إلى الله ولجأتُ إليه، فانظر لنفسك أيها الأمير أو دعْ. فتضاءل أبو جعفر، وقال: أعد عليَّ الكلام. فأعاده فقال: أما أول شيء فقد عزلتُ ابن نهيك عن ناحيته. وأمر بردِّ ضيعته"( تاريخ دمشق / ابن عساكر).

لقد كانت الحضارة الإسلامية تُعنى بجميع الأفراد، ولم تُفرِّق المؤسسة القضائية الإسلامية بين الرعايا على أساس الدين أو الجنس أو المكانة الاجتماعية، كما كان عند الرومان والفرس، أو حتى عند العرب أنفسهم قبل الإسلام، وكون خليفة المسلمين يخضع لقرار المؤسسة القضائية، ويُنفِّذ هذا القرار لرجل من عامة المسلمين- قد لا يكون صاحب منصب أو قبيلة تسانده، أو مال يتزلَّف به - لَيُؤَكِّد على رقي الحضارة الإسلامية، ويُعمِّق عندنا أن هذه الحضارة كانت تحترم مواطنيها، وتقف بجوار الضعيف والمظلوم منهم.

بل رأينا من الخلفاء، من يُقَدِّم النظر في المظالم على عيادة أمه المريضة وزيارتها؛ فقد حُكي أن الخليفة الهادي (ت 170هـ) "ركب يومًا يريد عيادة أمه الخيزران من علَّة كانت وجدتها، فاعترضه عمر بن بزيع ، فقال له: يا أمير المؤمنين، ألا أدلك على وجه هو أعود عليك من هذا؟ فقال: ما هو يا عمرُ؟ قال: المظالم، لم تنظر فيها منذ ثلاث. قال: فأومأ إلى المُطْرِقَة (حراسته وجنده) أن يميلوا إلى دار المظالم، ثم بعث إلى الخيزران بخادم من خدمه يعتذر إليها من تخلفه، وقال: قل لها: إن عمر بن بزيع أخبرنا من حق الله بما هو أوجب علينا من حقِّك، فملنا إليه، ونحن عائدون إليك في غد إن شاء الله".

وتأديبًا من الخلفاء للعمال الظالمين "كان المنْصُور إذا عزل عاملاً أخذ ماله وتركه في بيت مالٍ مفرد سمَّاه بيت مال المظالم، وكتب عليه اسم صاحبه"، لكن هذه المصادرات كانت إلى حين؛ إذ كانت غايتها تأديب هؤلاء الولاة وترهيبهم؛ ولذلك قال المنْصُور لابنه المهدي:" قد هيَّأت لك شيئًا، فإذا أنا متُّ فادع من أخذتُ ماله فاردده عليه، فإنك تُسْتَحْمد بذلك إليهم وإلى العامة. ففعل المهدي ذلك".
العصر الأندلسي:
وكان قضاء المظالم قد عُرف في الأندلس باسم "خُطَّة المظالم" التي ظهرت في وقت مبكِّر منذ الدولة الأموية في الأندلس، لكن لم تتَّضح واجباتها إلا في عصر الخلافة في القرن الرابع الهجري.
وقد مرَّت خُطَّة المظالم في المغرب والأندلس بتطور يختلف عن مثيلتها في الشرق الأموي والعباسي؛ إذ كانت أقل منزلة من رتبة "قاضي الجماعة"، أو ما يُسمى في المشرق بـ"قاضي القضاة"، ولم يَلِ هذه الوظيفة من الأمراء والخلفاء في الأندلس والمغرب إلا القليل منهم؛ ولذلك كان المتَوَلُّون لهذه المهمة من الفقهاء والعلماء الراسخين، ومن أشهر من تولَّى المظالم في إفريقية محمد بن عبد الله (ت 398هـ) الذي قال في حقه ابن عذارى: "كانت وطأته اشتدت على أهل الريب والفساد، بالضرب والقتل وقطع الأيدي والأرجل، لا تأخذه فيها لومة لائم".

وبلغت شهرة ومكانة بعض مَنْ وَلِيَ خطة المظالم في الأندلس درجة عالية بين الخاصة والعامة، وترقى بعضهم في المناصب الإدارية العليا في الدولة، فهذا "أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عيسى بن فطيس قد تقلَّد خطة المظالم بعهد المنصور محمد بن أبي عامر ؛ فكانت أحكامه شدادًا، وعزائمه نافذة؛ وله على الظالمين سَوْرة (سطوة وقوة ) مرهوبة، وشارك الوزراء في الرأي؛ إلى أن ارتقى إلى ولاية القضاء بقرطبة، مُجْمِعًا إلى خُطة الوزارة والصلاة؛ وقلَّ ما اجتمع ذلك لقاضٍ قبله بالأندلس".

عصر الولاة:
واهتمَّ كثير من ولاة المسلمين بالنظر في المظالم كما كان الحال مع الخلفاء؛ فقد كان كافور الإخشيدي يجلس للمظالم يوم السبت من كل أسبوع، واستمرَّ على هذه العادة إلى أن توفي ، وكذلك كان دأب أمراء السلاجقة ، فقد خَصَّص الأمير طغرلبك يومين من كل أسبوع للنظر في المظالم، وكانت هذه عادة ملوكهم ، وكان الملك الْعَزِيز في الدولة الأيوبية يجلس للمظالم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع.

عصر المماليك:
وقد اهتمَّ المماليك بولاية المظالم، وعَيَّنُوا لها خيار القضاة والفقهاء، ولم يمنع ذلك من نظرهم في بعض المظالم، فقد ذكر المقريزي في حوادث عام (661هـ) أن رجلين من أهل الإسكندرية قدما على سلطان مصر ركن الدين بيبرس البندقداري (ت 676هـ) "أحدهما يقال له ابن البوري، والآخر يُعرف بالمكرم بن الزيات، ومعهما أوراق تتضمن استخراج أموال ضائعة، فاستدعى السلطان في يوم الثلاثاء سادسه الأتابك والصاحب والقضاة والفقهاء، وأُمِرَتْ فقُرِئت، وصار كلما ذُكِر له باب مظلمة سدَّه، ويعودُ على المذكورين بالإنكار، حتى انتهت القراءة. فقال: اعلموا أني تركتُ لله تعالى ستمائة ألف دينار من التصقيع والتقويم والراجل والعبد والجارية وتقويم النخل، فعوَّضني الله من الحلال أكثر من ذلك، وطلبت جرائد الحساب فزادت بعد حطِّ المظالم جملة، ومن ترك شيئًا لله عَوَّضه الله خيرًا وأمر بإشهار ابن البوري".

ففي هذا الموقف، نجد أن السلطان يُحاسب معظم أجهزة الدولة؛ هم: وزير الحربية، ورئيس الوزراء، والمؤسسة القضائية، وكذا الفقهاء على تقصيرهم في ضياع أموال الرعية، ويُذَكِّرهم بأنه ترك لله تعالى آلاف الدنانير التي ارتأى أنها لم تكن من حقِّه، حثًّا لهم على الحفاظ على الأموال، بل يعزل السلطان أحد الرجلين اللذين أتيا إليه بهذه الأوراق، ويأمر بإشهاره وفضحه في القاهرة؛ لأنه لم يُعلم السلطان بهذه الواقعة في وقتها.
وكان كثير من سلاطين المماليك يذهبون إلى الميادين العامة لقضاء مظالم الرعية؛ فكان منهم سيف الدين برقوق (ت 801هـ)، ففي حوادث عام (792هـ) يذكر المقريزي "أن برقوق قد جلس بالميدان تحت القلعة للنظر في المظالم والحُكْم بَيْنَ الناس على عادته، فهرع الناس إليه، وأكثروا من الشكايات، فكثر خوف الأكابر وفزعهم، وترقَّب كل منهم أن يُشْتَكى إليه".

إن نظر الخلفاء والأمراء في المظالم على مدار تاريخ الحضارة الإسلامية، ليُؤَكِّد على أن كل الناس تحت طائلة القانون والمحاكمة إذا أخطئوا، لا ميزة في ذلك لطائفة الحكام والأمراء على من سواهم؛ فمعاقبة الأمراء وقادة الجند والولاة والوزراء وكبار رجال الدولة بمن فيهم الخليفة نفسه، لتؤكد لنا على نزاهة ورفعة الحضارة الإسلامية، ولم تكن الحضارات كالفارسية والرومانية، أو حتى في العصور الحديثة كمحكمة العدل الدولية، لتُضارع أو تشابه عمل ولاية المظالم في حضارتنا الإسلامية الخالدة، التي كانت تأخذ على يد الظالم دون محاباة، أو تكيل بمكيالين، كما في عصرنا هذا!

وبعدُ، فإننا لن نستطيع أن نجمع كل ما تميزت به المؤسسة القضائية في الحضارة الإسلامية في فقرات قليلة، أو وريقات متعددة، فلا ريب أن هذا غمطٌ للحق، وبُعْدٌ عن جادَّة الصواب، ولكن تلك المواقف الرائعة التي أتينا بها ما هي إلا دليل على فيض هذه المؤسسة العريقة من المواقف والنظريات، التي سنَّت للمؤسسات الدستورية والقانونية في العالم المعاصر الأسس العامة، والمنهجية السليمة للتعامل في هذا السبيل المهم.


   طباعة 
0 صوت
الوصلات الاضافية
عنوان الوصلة استماع او مشاهدة تحميل

التعليقات : 0 تعليق

« إضافة تعليق »

إضافة تعليق
اسمك

/99999999999999999999999999999999999999999999000000
تعليقك
7 + 1 =
أدخل الناتج

جديد المقالات

الصفات المميزة لأهل السُنة والجماعة - فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله
تميزوا! - فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب حفظه الله
الدرس الحادي عشر - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس العاشر - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس التاسع - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس الثامن - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس السابع - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس السادس - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس الخامس - مقدمة في علم تحرير القراءات
الدرس الرابع - مقدمة في علم تحرير القراءات

إغلاق